فى بيتى لـ عباس محمود العقاد - kitabot

vendredi 13 février 2015

فى بيتى لـ عباس محمود العقاد

العقاد رجل اكتسب قيمته بالكد والسهر والعرق والنضال حياته أشبه بملحمة بطولية من الفداء في سبيل الأفضل والأعلى والأصح دائماً ، وإلا فمن كان يتوقع لشاب فقير ولد في بناء ناءٍ من صعيد مصر أن يلم بكل هذه المعارف والثقافات التى صاول بها أعلى الرجال مقاماً وأكثرهم ثقافة وأشدهم اطلاعاً على معالم الحياة المعاصرة واتصالاً بها ، حتى ذاع أنه لا تكاد تفوته معلومة من معالم العصر من غير أن يكون ملماً بها . فهذا هو المجلد الثالث والعشرون من السيرة الذاتية لهذا الكاتب والذى يحمل عنوان " في بيتى "

مقدمة

  قلت له يا صاحبي : إنني أحب مدينة الشمس ؛ لأنني أحب النور . أحبه صافيا و أحبه مزيجا ، و أحبه مجتمعا و أحبه موزعا ، و أحبه مخزونا كما يخزن في الجواهر ، و أحبه مباحا كما يباح الى العيون على الأزاهر ، و أحبه في العيون و أحبه من العيون و احبه الى العيون .
و يوم سكنت في هذا المكان ، و نظرت من هذه النافذة ، أعجبتني أنني أفتحها فلا أرى منها الا النور و الفضاء .
في بيتي و الحق انه لا فضاء حيث يكون النور .
و كيف يكون فضاء ، ما يملأ العينين ، و يملأ الروح و يصل الأرض بالسماء ؟
قلت لك يا صاحبي : إنني أحببت النور ، فسكنت في مدينة النور !
و أود ان تفهمني حين أقول لك : إنني أحب النور .
فإنني لا أحبه لنه يريني الدنيا و ما فيها ، أو لأنه هو واسطة الرؤية و أداتها ، و لكنني أحبه لأراه و لو لم أر شيئا من الأشياء .
و قديما كنت أقول : إن الأرواح تخف في النور كما تخف الأجساد في الماء ، كأنما هي تسبح فيه و تطفو عليه .
و كنت أقول :
النور سر الحياة النور سر النجاة
ألمحه بالروح لا لمح العيون الخواة
ما تبصر العين من معناه الا أداة
و كنت أحسبه (( روحانية )) ترى العين و ...
أرى الأرض روحانية في جمالها و إلا فما بال النفوس بها تسمو
اذا فاض منها النور هزت قلوبنا سعادة روح ليس يعرفها الجسم
و لو أنها من لذة الحس عفتها كما يعاف اللمح و السمع و الشم
كرهت من الدهر الكثير و لم يزل بقلبي من شمس النهار هوة جم
ترى كل يوم و هي عندي كأنها غريب عرا لم يدر وصف له واسم
عجبت لأرض تخطر الشمس فوقها و تشرق فيها ، كيف يطرقها الغم
فلا أتكلم بالمجاز حين أقول لك يا صاحبي : إنني أراه من عالم الروحانيات ، و إنني اشبع منه الروح و العين و لا اشبع منه العين و كفى ، و إنه شيء يرى و يرى و يرى و لا تمل رؤيته و لا يشبع من النظر اليه ، و ليس هو الشيء الذي غايته ما يكفيك منه أنه يريك الأشياء .
قال صاحبي : هذا من عمل النشأة الأولى ، هذا من عمل أسوان ! قلت : أوتظن ذلك ؟ و لم لا تظن أن النشأة الأولى تزهدنا فيما هو مبذول لدينا ، بل فيما هو مسلط علينا ؟
هل رأيت شاعرا من شعراء الصحراء يتغنى بالشمس المجيدة ، أو الشمس الفاخرة او الشمس الباهرة كما يتغنى بها أبناء الفيوم أو أبناء الشمال ؟
لست معك يا صاحبي فيما قدرت ، و لعلي كنت أقدر معك هذا التقدير لو أنني نشأت في أسوان أحب الظلال ، و أكره سطوة النور و أحسبه من قضاء الله الذي يطاق ، و لو في بعض المواسم ساعات .

بيانات الكتاب

الاسم : في بيتي
المؤلف : عباس محمود العقاد
الناشر : مؤسسة هنداوي
عدد الصفحات : 72
الحجم : 4.6 ميجا
تحميل كتاب في بيتي

 


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire