غاية الحق لـ فرنسيس فتح الله مراش - kitabot

jeudi 26 février 2015

غاية الحق لـ فرنسيس فتح الله مراش

سعى الكثير من الفلاسفة والمفكرين إلى الخروج من واقعهم المرير؛ حيث رسم كل منهم مدينة فاضلة تسود فيها بين أفراد المجتمع السعادةُ والعدل والمساواة. ومن الدعوات المبكرة لهذه المدينة كانت دعوة «أفلاطون» في كتابه «الجمهورية»، وتبعه فلاسفة آخرون كالقديس «أغسطين» في كتابه «مدينة الله»، وتوماس مور في كتابه «يوتوبيا». غير أن فرانسيس مراش يقدم لنا مدينته بشكل مختلف تمامًا عن كل الذين سبقوه، وإن استقى مبادئه من نفس المصدر؛ حيث وضعها في قالب روائي يجذب به القارئ، لا سيما وأن الكثيرين يفرُّون من قراءة الفلسفة. وقد وضع فرانسيس الأُطُرَ التي شيَّد عليها مدينته الداعية إلى السلام والعدل والمساواة الخالية من الحروب، وفي مقدمتها تهذيب السياسة والثقافة والأخلاق والمحبة، والقضاء على الشر وأعوانه والجهل والكبرياء والكذب والبخل، فليت الحكام يقرءون ليقيموا جمهورية العدل.

مقدمة

  انني بينما كنت ذات ليلة ضاربا في أودية التأملات العقلية وطائرا على أجنحة الأفكار المتبلبلة في جو الهواجس والأحلام التخيلية واذا قد انفتح لدى أعين خواطري مشهد عجيب تلعب فيه أشباح الأعصار السالفة وترن في هوائه نغمات الشعوب الغابرة من وراء حجب التواريخ الخالدة فرأيت ممالك العالم القديم تتعالى الى أوج العظمة والكرامة وترتقي الى سدرة الآداب والتهذيب حيثما ينتهي مجد الانسان النازل من الخليقة منزلة الأول من العدد .
غاية الحق لـ فرنسيس فتح الله مراش فبينما كنت أرى المصريين مشتغلين بتهذيب الفلاحة والزراعة وتربية العلم وصناعة الأيدي والآثوريين مجدين في اختراع ظرافة المشادات والأبنية والفينيقيين آخذين بتوسيع المتاجر وشق عباب البحار وتقريب صلة الهيئة الاجتماعية واذا راية فارس مقبلة من بعيد حاملة شمسها الساطعة وأسدها الزائر وهي تخفق على رؤوس جيش عرمرمي يتموج فوق صهوات الخيول الصاهلة التي كلما كانت تضرب بحوافرها أديم الأرض كانت تثير غبارا يلقي وخط الشيب على هامة الزمان وينسج برده الأشهب لجسد التاريخ .
وهكذا لم يزل يتقدم ذلك الجيش الجرار تحت الراية الخافقة الى أن مد بساط سطوته على كل أولئك الشعوب الذين كانوا يرفلون في حلل الثروة والنعيم فأحنى كل ركبة لدى تلك النار الفارسية وأهال كل قلب بطلعة ذلك الأسد السائد .
وما برحت دولة فارس ممتعة بتلك الأراضي المحروسة وذاك الغنى الوافر حتى برزت عساكر مكدونية وأحدقت من كل جانب تحت بيارق الاقدام والبسالة مثيرة لهب الحروب الهائلة الى أن ظفرت بجميع هاتيك الممالك وأخمدت نار فارس ولم يزل الصولجان المكدوني يفرع تقدما ونجاحا وميدان ملكه يتسع بالسطوة والاقتدار الى أن رأيت نسر الرومانيين صاعدا من الشمال وهو يخفق بأجنحة النصر والظفر منقضا على جميع ما امتلكه المدونيين من تلك الممالك الواسعة والبقاع الشاسعة وهكذا قد بسط جناحيه وخيم على العالم فانتصب لدى أعيني حينئذ قوس النصر الروماني في وسط ساحة الدنيا وعدت أرى جميع شعوب الأرض تتقاطر أفواجا أفواجا وتمر تحت ذلك القوس العظيم اشارة للخضوع والطاعة وما برحت تلك الدولة العجيبة تمتد وتتسع بالغلبة والجبروت الى أن انفطرت الى شطرين عظيمين فكان الأول شرقيا والثاني غربيا فأخذ ذاك يتعاقب بين ارتفاع وهبوط تحت رحمة الأقدار وهذا يتشعب ويتفرع الى جملة ممالك وولايات تحت اختلاف الأطوار ولم تزل تحصحص لأعين فكرتي تلك الظواهر الى أن انفتح أخيرا لدي أبصار بصيرتي باب رحب مكتوب على قنطرته " العقل يحكم " ومنه عاينت برية فسيحة جدا .
ولاح لي عن بعد بيرق يخفق مقتربا فوضعت نظارة الاختبار وأمعنت النظر قرأيت مكتوبا به " العلم يغلب " وظهر لي حينئذ من ورائه جيوش التمدن الزاهر ممتطية متون الاختراعات العجيبة والمعارف الكاملة وهي تخطر متموجة بأنوار أسلحة الحكمة والعدل متدرعة بدروع الحرية الانسانية والخلوص المحض ورأيت أمام هذه الجيوش المظفرة تتراكض ممالك الظلام مع كافة أجنادها ناكصة على أعقاب القهقرة والانكسار وهي تزاحم بعضها البعض الى الهبوط في لجج العدم والاضمحلال حيثما لا حركة ولا صوت , وهكذا مدت دولة العقل قوتها على كل بقعة ومكان وعم السلام على كافة المسكونة وبينما أنا مشمول بشمول هذه المرئيات التصورية في هذا العالم الفكري ثمل بما أشاهد في هذا المرسح الجديد الذي تتلامع به شموس هذا العصر الحديث واذ قد ظهر لي من وراء الأفق .
بيانات الكتاب
الاسم: غاية الحق
المؤلف: فرنسيس فتح الله مراش
الناشر: منشورات هنداوي
عدد الصفحات: 97
الحجم: 1 ميغا بايت
شراء النسخة الورقية: من هــنــا
تحميل كتاب غاية الحق

 




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire