لعلَّ الكروانَ هديَّةُ مصرَ للشاعر، أو لعلَّه الديوانُ هو هديَّةُ الشاعر للكروان، لكنَّ ما لا شكَّ فيه أنَّ الناهلين من عذوبة تلك القصائد المزقزقة هم أصحاب الحظِّ الأوفر والمغنم الأكبر. وقد ألهم الكروان في تغريده الشَّجيِّ الشاعرَ موسيقى ربيعيَّة منطلقة، ولغة مشتركة تجمع بين عالمَي الطيور والشعراء، فأتت كروانيَّات «العقَّاد» نضرة جديدة المعاني متجدِّدتها، وضمَّن ديوانه كذلك قصائد في الغزل الرقيق، منها: قبل بغير تقبيل، يوم يبحث عن ذكراه، شكوك العاشق، الخرافة الصادقة ..
و لي بالكروان ألفة من قديم الايام ، نظمت فيه القصيدة النونية التي أقول في مطلعها :
هل يسمعون سوى صدى الكروان صوتا يرفرف في الهزيع الثاني
و أودعتها الجزء الأول من الديوان .
ثم أعادني طائف من طوائف النفس إلى النظم فيه ، فاجتمع عندي قصائد عدة في مناجاته . و كأنني كنت أعارضة و أساجله بكثير من القصائد الاخرى التي اشتملت عليها هذه المجموعة ، فصح على هذا المعنى ان يسمى الديوان كله (( هدية الكروان )) .
و لوصف الكروان و شرح طباعه و مشاربه مقام آخر غير هذا المقام ؛ فأما غناؤه فقد تقال فيه كلمة هنا ؛ لأننا نتكلم عما فيه من شعر يوحي الشعر ، فليس أصلح لهذا الكلام من صدر ديوان .
تسمعه الفينة بعد الفينة في جنح الليل الساكن النائم البعيد القرار ، فيشبه لك الزاهد المتهجد الذي يرفع صوته بالتسبيح و الابتهال فترة بعد فترة ، و يشبه لك الحارس الساهر الذي يتعهد الليل بالرعاية بين لحظة و لحظة ، و ينطلق بالغناء في مفاجأة منتظرة أو انتظار مفاجئ ، فلا تدري ، أهي صيحة جذل أم صيحة روعة و اجفال ؟ و لكنك تشعر بالجذل و الروعة و الاجفال تتقارب ، و تتمازج في نفسك حتى لا تتفرق ، كأنك تصغي إلى طفل يرتاع و هو جذلان ، و يجذل و هو مرتاع ! و يطلب الخطر و يشتهيه ؛ لأن للخطر في حسه طرافة و حركة ، فهو من عالم التفاؤل و الاقبال لا من عالم التشاؤم و النكوص .
و يطلع عليك بهتافه من هنا و من هناك ، عن اليمين و عن الشمال ، و على الارض و فوق الذرى ، فيخيل اليك انك تستمع إلى روح هائم لا يقيده المكان و لا يعرف المسافة ، أطلقوه في الدنيا على حين غرة ، فسحرته فتنة الدنيا و خليته محاسن الليل ، فهو لا يعرف القرار و لا يصبر في مطار . فأنت تتلقى من صوت هذا الطائر الأليف النافر عالما من معان و أشجان يتجاوب فيه تقديس المصلي القانت ، و حدب الحارس الامين ، و روح الطفولة ، و مناجاة الخطر المقبول ، و هيام الروح المنهوم بالحياة و الجمال ؛ عالم لا نظير له فيما نسمع من غناء الطير بهذه الديار .
الاسم : هدية الكروان
المؤلف : عباس محمود العقاد
الناشر : مؤسسة هنداوي
عدد الصفحات : 82
الحجم : 5 ميجا
تحميل كتاب هدية الكروان
رابط تحميل فورشيرد
طريقة التحميل
التواصل والإعلان على مواقعنا
قراءة اونلاين
أشترك فى قائمتنا البريدية ليصلك جديد الكتب
تابعنا على الفيسبوك
تابعنا على تويتر
زور موقعنا الجديد – معرفة بلس
زور موقعنا الجديد – عالم الروايات
زور موقعنا – مكتبة دوت كوم
زور موقع ثقف نفسك - حيث الثقافة والمعرفة
مقدمة
كان الربيع و تلاه الصيف ، و كانت لياليهما السواحر الحسان ، و كان هتاف الكروان الذي لا ينقطع من الربيع إلى الخريف و لا يزال يتردد حتى يسكته الشتاء . و أكثر ما يسمعه السامع في حوافي مصر الجديدة حيث أسكن و حيث يكثر هذا الطائر الغريب ؛ لأنه يألف أطراف الصحاري على مقربة من الزرع و الماء ، كأنه صاحب صومعة من الك الصومعات التي كان يسكنها الزهاد بين الصحراء و النيل ؛ فله من مصر الجديدة مرتاد محبوب .
و لي بالكروان ألفة من قديم الايام ، نظمت فيه القصيدة النونية التي أقول في مطلعها : هل يسمعون سوى صدى الكروان صوتا يرفرف في الهزيع الثاني
و أودعتها الجزء الأول من الديوان .
ثم أعادني طائف من طوائف النفس إلى النظم فيه ، فاجتمع عندي قصائد عدة في مناجاته . و كأنني كنت أعارضة و أساجله بكثير من القصائد الاخرى التي اشتملت عليها هذه المجموعة ، فصح على هذا المعنى ان يسمى الديوان كله (( هدية الكروان )) .
و لوصف الكروان و شرح طباعه و مشاربه مقام آخر غير هذا المقام ؛ فأما غناؤه فقد تقال فيه كلمة هنا ؛ لأننا نتكلم عما فيه من شعر يوحي الشعر ، فليس أصلح لهذا الكلام من صدر ديوان .
تسمعه الفينة بعد الفينة في جنح الليل الساكن النائم البعيد القرار ، فيشبه لك الزاهد المتهجد الذي يرفع صوته بالتسبيح و الابتهال فترة بعد فترة ، و يشبه لك الحارس الساهر الذي يتعهد الليل بالرعاية بين لحظة و لحظة ، و ينطلق بالغناء في مفاجأة منتظرة أو انتظار مفاجئ ، فلا تدري ، أهي صيحة جذل أم صيحة روعة و اجفال ؟ و لكنك تشعر بالجذل و الروعة و الاجفال تتقارب ، و تتمازج في نفسك حتى لا تتفرق ، كأنك تصغي إلى طفل يرتاع و هو جذلان ، و يجذل و هو مرتاع ! و يطلب الخطر و يشتهيه ؛ لأن للخطر في حسه طرافة و حركة ، فهو من عالم التفاؤل و الاقبال لا من عالم التشاؤم و النكوص .
و يطلع عليك بهتافه من هنا و من هناك ، عن اليمين و عن الشمال ، و على الارض و فوق الذرى ، فيخيل اليك انك تستمع إلى روح هائم لا يقيده المكان و لا يعرف المسافة ، أطلقوه في الدنيا على حين غرة ، فسحرته فتنة الدنيا و خليته محاسن الليل ، فهو لا يعرف القرار و لا يصبر في مطار . فأنت تتلقى من صوت هذا الطائر الأليف النافر عالما من معان و أشجان يتجاوب فيه تقديس المصلي القانت ، و حدب الحارس الامين ، و روح الطفولة ، و مناجاة الخطر المقبول ، و هيام الروح المنهوم بالحياة و الجمال ؛ عالم لا نظير له فيما نسمع من غناء الطير بهذه الديار .
بيانات الكتاب
الاسم : هدية الكروان
المؤلف : عباس محمود العقاد
الناشر : مؤسسة هنداوي
عدد الصفحات : 82
الحجم : 5 ميجا
تحميل كتاب هدية الكروان
روابط تحميل كتاب هدية الكروان
أشترى كتبك الورقية بخصومات كبيرة وتوصيل لباب بيتك
رابط تحميل مباشر - جوجل درايفرابط تحميل فورشيرد
التواصل والإعلان على مواقعنا
قراءة اونلاين
أشترك فى قائمتنا البريدية ليصلك جديد الكتب
تابعنا على الفيسبوك
تابعنا على تويتر
زور موقعنا الجديد – معرفة بلس
زور موقعنا الجديد – عالم الروايات
زور موقعنا – مكتبة دوت كوم
زور موقع ثقف نفسك - حيث الثقافة والمعرفة
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire